غزة الصمود والمقاومة – الوطن | يلا شوت
سجل الشعب الفلسطيني في غزة تاريخا بحروف من نور بمقاومته الصامدة الاحتلال الصهيوني الغاشم. صمد الشعب البطل على مدى يزيد على 15 شهرا في مواجهة آلة حرب جبارة تساندها أكبر قوة عسكرية في التاريخ ويدعمها أكبر القوى الاستعمارية في العالم في أوروبا الغربية. وقف هذا الشعب البطل صامدًا مؤكدا أنّ الأرض لا تغادرها الروح، وأنّ الإرادة الحرة لا تُهزم مهما كانت التضحيات.
غزة، تلك البقعة الصغيرة من الأرض التي أُريد لها أن تُمحى من الذاكرة، أصبحت رمزًا من رموز الصمود والمقاومة في العصر الحديث. لم يكن ما حدث في حرب غزة الأخيرة مجرد حرب عسكرية، بل كان تجسيدًا لفصل جديد من فصول نضال شعب لم يقبل الذل، ولن يخضع لاحتلال طال أمده. الجيش الإسرائيلي، الذي يمتلك أحدث الأسلحة وأقوى التقنيات العسكرية، لم يستطع في هذه الحرب أن يكسر إرادة هذا الشعب الذي يقاتل بالروح والجسد، بعزيمة لا تلين.
ما يجعل الكفاح الفلسطيني فريدًا هو العزيمة الصلبة التي لا تلين، والإرادة التي لا تنكسر لأهل غزة الصامدون الذين عانوا من الحصار والدمار والفقر والتهجير، ورغم المآسي التي مرت بهم، ظلوا ثابتين على عهدهم بالحرية. قتلوا الأبناء ودمّروا البيوت، ولكنهم لم يقتلوا الأمل. لا شيء يستطيع كسر إرادة أهل غزة التي أبت أن تقبل الذل أو الاستسلام، بل نحتت من تحت الأنقاض صخور الصمود وأورثت الأجيال القادمة معنى التضحية الحقيقية.
أثبت شعب غزة خلال معركته الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي أنّ القوة العسكرية لا يمكنها إخماد الشعوب. فالمقاومة التي خاضها الشعب الفلسطيني لم تكن مجرد مواجهات مسلحة، بل كانت تعبيرًا عن إرادة شعب يريد الحياة والحرية. فكل صاروخ يطلق من غزة كان صرخة في وجه الظلم، وكل عملية فدائية كانت تجسد الإيمان العميق بأن هذا الشعب لن ينكسر مهما كانت التضحيات.
كفاح غزة ضد الاحتلال يتقاطع مع تجارب شعوب مثل فيتنام والجزائر. في فيتنام، استطاعت القوات الفيتنامية أن تُلحق الهزيمة بأكبر قوة عسكرية في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، عبر حرب شعبية طويلة الأمد اتسمت بالصمود والتضحية. والشعب الفلسطيني، مثل الفيتناميين، يعلم أنّ الاحتلال لا يمكن أن يُقهر بالقوة العسكرية فقط، بل بالصمود المستمر، وبالثقة العميقة في أنّ الأرض ستظل ملكًا لأصحابها مهما طال الزمن.
وفي الجزائر كانت قوات الاحتلال الفرنسي تمارس أبشع أساليب القمع والتنكيل، وكانت الثورة الجزائرية أكبر دليل على أنّ الشعوب مهما ضعفت أمام التفوق العسكري، فإنّها تظل تمتلك سلاح الإرادة. الجيش الفرنسي، الذي كان يُعدّ من أقوى الجيوش في العالم آنذاك، عجز عن كسر عزيمة الشعب الجزائري، الذي حمل السلاح بكل بسالة في صراع استمر أكثر من تسع سنوات. ومن هذه التجربة، تعلم الفلسطينيون في غزة أن القوة لا تكمن فقط في الأسلحة، بل في وحدة الشعب وإيمانه بقضيته.
في حرب غزة، لم يكن التفوق العسكري العامل الحاسم. بل إن الصمود والتضحيات التي قدمها الفلسطينيون جعلت العدو في مواجهة مع قوة غير ملموسة، قوة الإيمان بالحق والعدل، وهو ما أعطى المقاومة في غزة القدرة على الصمود والتصدي لأعتى الهجمات. إن القوة الحقيقية تكمن في الموقف الثابت، وفي الرفض المستمر للاحتلال.
لطالما عاشت غزة في ظل معاناة قاسية من الحصار والدمار المستمر، ورغم ذلك كانت العزيمة الغزاوية أقوى من أي تهديد. أهل غزة كانوا يواجهون كل يوم تحديًا جديدًا؛ التفجيرات، الهدم، نقص الغذاء، استشهاد الأبناء، وكلها كانت تؤكد أن هذا الشعب لا يعرف اليأس. قد يدمّر الاحتلال المنازل، لكنهم سيعيدون بناءها بأيدٍ مغمسة بالدماء والأمل. غزة ترفض الانكسار، وأهلها يثبتون أن العزيمة الصلبة لا تشيخ ولا تتراجع أمام كل الظروف.
الاحتلال الإسرائيلي، مثل الاحتلال الفرنسي في الجزائر، لم يكن حربًا بين جيوش فحسب، بل كان صراعًا ثقافيًا وسياسيًا على الأرض والحقوق. ومع استمرار القتل والتدمير، ازدادت مشاعر التضامن مع الشعب الفلسطيني في العالم أجمع. كما دعم الشعب الجزائري في نضاله ضد الاحتلال الفرنسي، اليوم يشهد العالم حركات تضامن واسعة مع فلسطين، ما يجعل معركة غزة جزءًا من صراع عالمي من أجل العدالة والحرية.
ما يُستفاد من تجارب الشعوب التي قاومت الاحتلال أن القوة العسكرية لا تصنع النصر في الحروب ضد الشعوب التي تملك الإرادة والعزيمة. فالشعوب التي تعرضت للاحتلال، مثل الجزائر وفيتنام وفلسطين، تعلمت أن الصراع قد يكون طويلًا ومعقدًا، ولكن حتمًا، وفي النهاية، سيأتي النصر. لأن الحرية لا تُنتزع بالدم فقط، بل بالمقاومة المستمرة والعمل المتواصل على جميع الأصعدة.
اليوم، يُنظر إلى غزة ليس فقط كميدان مقاومة ضد الاحتلال، بل كمركز من مراكز الكرامة والحرية. غزة أصبحت رمزًا لكل من يكافح من أجل الحق، وأصبحت تمثل للأجيال الجديدة معركة مستمرة ضد الظلم. في كل زاوية من زوايا المدينة، وفي كل بيتٍ، وفي كل طفلٍ، يوجد حلم بالحرية والانتصار.
إيمانًا بحتمية النصر، يواصل الشعب الفلسطيني في غزة طريقه، عاقدًا العزم على أنّ المقاومة هي السبيل الوحيد لتحقيق الحرية. ولعل فيتنام والجزائر خير مثال على أنّ الاحتلال مهما كانت قوته، فإنّ إرادة الشعوب لا تقهر، وأنّ النصر في النهاية سيكون حليفًا للمقاومين الذين لا يتنازلون عن حقهم في الأرض والكرامة.
كما قاومت الجزائر وفرنسا، كما قاوم الفيتناميون الولايات المتحدة، هكذا تقاوم غزة اليوم الاحتلال الإسرائيلي. شعب يعاند الموت، ويقارع الطغاة، ويكتب من جديد تاريخ الحرية والكرامة. ولن يهدأ النضال حتى يتم تحقيق الحلم الفلسطيني بالحرية والاستقلال.
تعليقات