حازم الجندي يكتب.. ترسيخ وتعزيز الهوية الوطنية التحديات والآليات | يلا شوت
تعد الهوية الوطنية مكون رئيسي في سمات وشكل الدولة تميزها عن غيرها من الدول، فالهوية الوطنية في كل أمة هي الخصائص والسمات التي تتميز بها، وتترجم روح الانتماء لدى أبنائها، ولها أهميتها في رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها تفقد الأمم كل معاني وجودها واستقرارها، بل يستوي وجودها من عدمه، لذلك تحرص الدولة المصرية على مدار تاريخها على حماية الهوية الوطنية المصرية الفريدة من أي محاولات لطمسها أو تشويهها، خاصة خلال العشرة سنوات الأخيرة التي زادت فيها المخاطر والتحديات التي تواجه الهوية المصرية.
فالهوية المصرية فريدة من نوعها لما تضمه من تاريخ وحضارة عظيمة وتراث حي ومقومات ومعالم فريدة، وهو ما أوجد الحاجة إلى العمل على تعزيز هذه الهوية، والحكومة المصرية تدرك أهمية ذلك وتطرقت إليه في برنامجها، وذلك من خلال إنشاء إطار تنظيمي للوزارات والجهات المعنية بقضية الهوية الوطنية وترسيخها، حيث أكدت أن أهمية الهوية الوطنية للمجتمع تكمن فى غرس القيم الإيجابية وروح الانتماء والولاء للوطن داخل أفراده، في كونه عنصرًا جوهريا لتحقيق التماسك بين فئات المجتمع المتنوعة والمختلفة.
وانطلاقًا من أن الهوية الوطنية مرتبطة بالثقافة لأنها تُصنع من خلال المعطيات الثقافية المختلفة، فإن المادة 48 من الدستور المصري، نصت على التزام الدولة بإتاحة الثقافة لمختلف فئات الشعب دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي، كما تنص المادة 67 على حرية الإبداع الفني والأدبي، مع التزام الدولة بالعمل على النهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم.
ولم تغفل استراتيجية مصر 2030 عن وضع رؤية خاصة بحالة الثقافة والهوية الوطنية، حيث نصت على أنه بحلول عام 2030 يكون هناك منظومة قيم ثقافية إيجابية في المجتمع المصري، تحترم التنوع والاختلاف وتمكين المواطن المصري من الوصول إلى وسائل اكتساب المعرفة، وفتح الآفاق أمامه للتفاعل مع معطيات عالمه المعاصر، وإدراك تاريخه وتراثه الحضاري المصري، وإكسابه القدرة على الاختيار الحر وتأمين حقه في ممارسة وإنتاج الثقافة، على أن تكون العناصر الإيجابية في الثقافة مصدر قوة لتحقيق التنمية، وقيمة مضافة للاقتصاد القومي، وأساسًا لقوة مصر الناعمة إقليميًا وعالميًا.
ولطالما نادينا بضرورة وجود استراتيجية للحفاظ على الهوية الوطنية في ظل التحديات والمخاطر التي تواجهها الدولة المصرية، وكانت استجابة الحكومة لهذه المناشدات خطوة إيجابية، حيث تستهدف الحكومة في برنامجها الجديد وضع وتنفيذ استراتيجية للحفاظ على الهوية وتشكيل الوعي وفق خطط تنمية ثقافية عادلة، ومواصلة وزارة الثقافة خطتها لتفعيل وتنفيذ التوصيات الصادرة عن لجنة الثقافة والهوية الوطنية بالحوار الوطني.
فهناك أهمية وضرورة للبحث في أصول الهوية المصرية وإبراز تراكماتها الحضارية، والتصدي للأفكار المتطرفة ومحاولات سرقة الهوية وتزييف التراث، والعمل على الوعي الجمعي ووضع برامج للتوعية، وترسيخ القيم الإنسانية وتفعيل قيم المواطنة، والارتقاء بالذوق العام المصري وتأصيل الحس الجمالي، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الوعي والتنمية، ودور مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في بناء الشخصية والهوية الوطنية، ورصد الحرف التراثية المصرية، بالإضافة إلى الدين الوسطي والروح المصرية والسمات المصرية والعادات والتقاليد المصرية الراسخة، والعلاقة الوثيقة بين الدولة والمواطن، وسبل الحفاظ عليها.
هذا إلى جانب الحديث عن الهوية الوطنية المصرية ومظاهرها والتحديات التي تواجهها وسبل الحفاظ عليها من التمزق في زمن العولمة وعصر السماوات المفتوحة والفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، وما يجب علينا القيام به لبحث سبل مواجهة التحديات الخارجية والداخلية التي تؤثر على الهوية الوطنية، علاوة على وضع آليات فاعلة وسياسات وتشريعات ثقافية للحفاظ على الهوية الوطنية والتدفق الحضاري المصري.
والدولة المصرية تدرك أهمية ترسيخ الهوية الوطنية، فتستهدف مواصلة العمل على تطوير المناهج الدراسية لتشمل مزيدًا من التاريخ المصري والثقافة الوطنية، وتدشين حملات توعية دينية وثقافية للشباب والمراهقين من خلال مراكز الشباب والأندية الاجتماعية، تشمل جميع محافظات الجمهورية والمناطق النائية، وتنظيم مسابقات ثقافية وأدبية وفعاليات مجتمعية للشباب لتعزيز الاهتمام بالتراث الثقافي والوطني، ودعم المبادرات الشبابية والمجتمعية التي تروج للسلام والتعاون بين مختلف فئات المجتمع، وإطلاق مبادرة الإعلام الآمن للطفل، لدعم الهوية الوطنية للأطفال في مصر، وإنشاء قناة مصرية للأطفال؛ لنشر الفكر الذي يتناسب مع قيم المجتمع الدينية والتراثية، ومع التقدير للجهود المبذولة في هذا الملف، أتمنى سرعة تنفيذ هذه المستهدفات لأهميتها الملحة.
كما أن الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتشارك فيه جميع القوى السياسية والوطنية وفئات المجتمع كافة؛ تضمن المحور الاجتماعي فيه تشكيل لجنة الثقافة والهوية الوطنية إدراكا من القائمين عليه لأهمية هذه القضية، وخرجت هذه اللجنة بالعديد من التوصيات التي تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية وترسيخها، شملت إنشاء إطار تنظيمي مركزي تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، يجمع الوزارات والجهات المعنية بقضية الهوية الوطنية، ووضع استراتيجية شاملة للحفاظ على الهوية، وصياغة وثيقة للحفاظ على الهوية الوطنية.
تستند إلى حوارات مجتمعية، لتحديد القيم الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها، فضلاً عن اقتراح استعادة روح الهوية القديمة في الطابع المعماري للمدن الجديدة، من خلال إشراك طلاب كليات الفنون الجميلة في تصميم المنشآت العامة، وكذلك إنشاء قناة متخصصة للأطفال، تسهم في تعزيز الهوية المصرية، بالإضافة إلى تيسير إجراءات التصوير السينمائي العالمي في المواقع المصرية لدعم التراث والثقافة، بالإضافة إلى عودة مهرجان القراءة للجميع، وتفعيل الأنشطة الثقافية في المدارس والجامعات خلال الصيف.
لذلك تتيقن الدولة المصرية إلى أهمية هذه التوصيات وتدرك ضرورة تفعيلها، ومن هذا المنطلق أرى ضرورة وضع استراتيجية وطنية للحفاظ على الهوية الوطنية وترسيخها، ورفع وتعزيز الوعي بقيمة التراث المصري الحضاري والطبيعي بنوعيه المادي واللامادي لتعزيز الهوية المصرية الوطنية وتقوية الانتماء ومحاربة الفكر المتطرف وتعظيم كل ما تقدمه مؤسسات الدولة من تنمية وتطوير وخدمات في كل المجالات في إطار الخطة الوطنية للتنمية الشاملة والمستدامة، كما يجب إحياء الحرف التراثية المعبرة عن الهوية المصرية المتأصلة في جذور التاريخ والعاكسة للتنوع الثقافي للحضارة المصرية، وتنظيم العديد من المبادرات وورش العمل لغرس ثقافة حب التراث وحمايته وآليات الحفاظ عليه كمدخل للحفاظ على الهوية.
تعليقات